كانت الأسرة دائماً موضع اعتبار أساسي في الثقافات التقليدية.ولأنها حجر الأساس في المجتمع فإن أموراً كثيراً تتوقف على حالتها.فإذا كانت غير سليمة فهذا معناه أن البلاد مريضة,وإذا كانت تعيسة,فإن الامة تعيسة أيضاً.
إن تكوين أسرة سليمة صعب للغاية,لأنه,بالإضافة الى العوامل المادية والعملية ذات الصلة,هناك الجانب الروحي غير الملموس الذي ينبغي أن يراعى.وهناك حاجة الى إرادة قوية والى قدر كبير من الجهد.
كانت خطوة الإنسان الأولى نحو تحوله الى كائن اجتماعي هي تكوين الأسرة كوحدة اجتماعية.وبهذه الخطوة,دخل دون أن يدري عالم الفن,لأن نمو الأسرة السعيدة ليست مسألة ساكنة إطلاقاًوبل عملية ديناميكية,فيها من النشاط المتواصل بقدر ما فيها من التعبير المستديم,والحاجة الى إبداع لاينتهي.
إنني معحب أشد الإعجاب بأولئك الذين نجحوا في هذه المهمة.فالأسرة الحميمة المشرقة هي ملاذ الروح وجذر الحياة وينبوع الحيوية.وإذا كانت أسرتنا مكتئبة وحزينة وباردة,تكون الحياة تعيسة للغاية,فلا نعود نجد مفراً من البحث عن الفرح والمتعة والراحة في مكان آخر.كم من مرة أرغم أقوى الرجال وأكثرهم جدارة بالثقة,على مثل هذا الوضع !فمهما يكن الرجل شجاعاً فلن يكون بيته دافئاً البتة,ولن يعرف الفرح ولن يتعرف أولاده الى السعادة,إذا كانت زوجته تفتقر الى الرقة.
قال السياسي البريطاني ويليم بيت مرة:"نجاحي اليوم بفضل جهود زوجتي.لقد جعلت بيتي جميلاً وممتعاً,فغذا مكاناً أجد فيه الراحة ومصدراً لنشاطي".وبالمقابل,كانت زوجة سقراط ترمي جرادل الماء عليه بينما كان يفكر.وكان كونفوشيوس يشعر بدوره أنه"يصعب التفاهم مع النساء والرجال الضيقي التفكير".
أما زوجة جينساي ايتو (عالم الشنتو الذي نقل الفلسفة الصينية الى اليابان قبل مئة عام),فلم تكن تزعج زوجها قط بالأمور المالية,ولم تكن تقطع عليه تفكيره ودراسته,مع أنها لاتدري ,إن كانا سيأكلان شيئاً في اليوم التالي أم لا.وعلى الرغم من أن حياتهما كانت تتسم بالكفاح وكانت مليئة بالمشقات,فإنها جعلت العائلة كلها تتسلح بالأمل والثقة.كانت تسودها السعادة والفرح,ولم يكن مهماً افتقارها المال.
ويقول الرسول (ص) خير متاع الدنيا الزوجة الصالحة.
وتتوقف سعادة البيت أو شقاؤه,على صحة ساكنيه.وقد قال إيمرسون:"إن الصحة هي أول شروط السعادة".وإذا كان لدينا المال والمعرفة والأبناء الصالحون أو الشريك الصالح.والأسرة الصحية,هي أسرة سعيدة وفرحة.
ولا نبالغ مهما شدّدنا على أهمية الأم أو الزوجة.إنها تمسك بزمام مصدر الحياة,وينبوع السلطة,أي المطبخ.ينبغي أن تكون مستعدة للإقرار بأهمية الطعام وأخطاره.وينبغي أن تتمتع بصفاء الذهن,وأن تكون رقيقة ويقظة ومتسامحة وذكية.وعليها أن تعرف نظام الماكروبيوتيك الغذائي وتفهمه,وتكون قادرة على تطبيق معرفتها في كل الأوقات.
يفهم البعض هذا النظام بغاية السرعة,ويحتاج البعض الآخر الى وقت أطول.وقد وجد علماء مشهورون صعوبة في فهمه وتطبيقه,في حين أن عمالاً فقراء فهمه وتطبيقه بسهولة بالغة.
وفي حقل الماكروبيوتيك ليس مهماً إن كنت على درجة عالية من الثقافة وناجحاً,أو مجرد عامل.ينبغي أن ينطلق الجميع من البداية.
ومن يفهم نظام الماكروبيوتيك الغذائي يشعر بالغبطة والرضى,لأنه يعرف:
أ- روعة الحياة.
ب- قيمة الحياة.
ج- متعة الحياة.
د- الهدف من الحياة.
إنه ينظر دائماً الى أشياء مهمة مثل قيمة الوجود وهدف الوجود ومتعة الوجود.إنه سعيد لأنه على قيد الحياة.
لسنا بحاجة الى الثقافة المدرسية كي نستطيع التفكير في مثل هذه المسائل الهمة والوصول الى استنتاجات صحيحة.والتعليم النظامي,في الحقيقة,يقف حائلاً بيننا وبين دراستها.ولا توجد طريقة خاصة نتعلمها لكي نتعامل بها مع مسائل كهذه.فكل ما نحتاج اليه هو ذهنية وديعة ومتواضعة,لاتعرف الادعاء,لتتبدى لنا الإجابات.
ولكن ما من أحد يمتلك اليوم الوقت الكافي أو الميل الى درس مثل هذه المسائل ولو على نحو سطحي.نحن مشغولون كثيراً بالقلق على الصحة والأمن والأمور التي لايمكن التنبؤ بها,كسوق الأوراق المالية أو أحتمال نشوب الحروب والاضطرابات.
لكن حتى لو كنت مليونيراً اليوم,فقد تصبح في الغد متسولاً نتيجة زلزال أو عاصفة أو حوادث شغب أو ذعر أو سرقة أو خيانة.
إن فهم أهمية الغذاء,أي نظام الماكروبيوتيك,أمر جوهري,إذا
كنا لا نرغب في أن نتورط في تفاصيل الحياة التافهة.فمن دون هذا النظام,تكون أسرنا محبطة وحياتنا تعيسة,حتى لو حالفنا الحظ,وأحرزنا امتيازاً رفيعاً أو منصباً عالياً.وفي الحقيقة كلما عظم الامتياز أو المنصب أو الثروة,كانت التعاسة أعظم.
وإنني أؤمن أن فهم الماكروبيوتيك جوهري للحياة.فهو دراسة ينبغي أن يتولاها الزوج والزوجة معاً,لأنها بها وحدها تستطيع الأسرة أن تكون فرحة ومشرقة ومطمئنة,والمصدر الأولي للطاقة.
أولاً وقبل كل شيء,على الزوجة أو الأم تثبيت عافيتها,ومن ثم تثبيت عافية زوجها وأطفالها.والمطبخ هو صيدليى الحياة,وهي الصيدلانية فيها.إنها مخططة الثقافة ومديرة المسرحية.وهي التي تقرر إن كانت تراجيدية أو مفرحة.وحتى إذا كان زوجها قاسياً أو عنيداً أو غبياً,فإن الزوجة التي تفهم الماكروبيوتيك فهماً كافياً تستطيع أن تغيره,حتى لو استغرق ذلك ثلاث سنوات أو خمساً أو عشراً أو عشرين سنة.وكلما استغرق ذلك وقتاً أطول,وكلما تستغرق دائماً الوقت الأطول.
في هذا المعنى ,يعتمد تطور البشرية على حكم المرأة بخاصة.ولو ادركت المرأة أهميتها,ولو استطاعت أن تفهم أن سعادة الجميع أو تعاستهم,تعتمد عليها في المقام الأول,لكانت صعوباتها اليومية ستدخل فرحاً عظيماً الى حياتها.
ولو كانت امرأة لنظفت البيت بالحب,ولفكرت "كم هي ممتعة ومجزية حياتنا!".وسواء كنت أطبخ أو أنظف,وألمع أو أكنس,لفكرت وقلت:"ها أنا ابتكر في الحياة".
أتذكر هنا السيدة نوترون,زوجة دكتور في العلوم,وكنت قد أقمت في منزلها أثناء زيارتي لفرنسا.
كانت تغني دائماً أثناء تنظيف بيتها المكون من ثلاثة طوابق,وكان عملها يستغرق من الثامنة الى الحادية عشرة,صباح كل يوم.كانت تفهم أن في تنظيف الأشياء,متعة حقيقية.إنه الإبداع بعينه.بالمقابل,ليس في السعي وراء المتعة اي فرح حقيقي,لأنه لاينطوي على أي إبداع.فالفرح هو نتيجة
التغيير,والمرأة في وضع يتيح لها أن تنعم بمثل هذا النوع من الفرح.